الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***
المفاعيل خمسة: مفعول به وقد تقدم, ومفعول مطلق، ومفعول له, وفيه, "ومفعول" معه، وهذا أول الكلام على هذه الأربعة. وبدأ بالمطلق، وسمي مطلقا؛ لأنه لم يقيد بأداة بخلاف غيره، فقال: المصدر اسم ما سوى الزمان من... مدلولَي الفعل كأمْنٍ مِنْ أَمِن مدلولا الفعل: هما الحدث والزمان، والمصدر هو اسم الحدث، وهو معنى قوله: "اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل". فإن ما سوى الزمان من مدلوليه هو الحدث "كأمن من أمن". قال: "أمن" فعل يدل على حدث وزمان، والأمن اسم لذلك الحدث، فهو مصدر. فإن قلت: هل المفعول المطلق والمصدر مترادفان؟ قلت: لا، بل بينهما عموم من وجه وخصوص من وجه. فقد يكون المفعول "المطلق" غير مصدر, بل "جاريا" مجراه كاسم المصدر والآلة, وغير ذلك مما سيذكر. وقد يكون المصدر غير مفعول مطلق نحو: "يعجبني ذهابك". ثم قال: بمثله أو فعل أو وصف نُصب............................ مثال نصبه، أي: بمصدر، قوله تعالى: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا}. ومثال نصبه بفعل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. ومثال نصبه بوصف: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}. وينبغي أن يحمل قوله: "بمثله" على المماثل في المعنى؛ ليشمل نحو: "يعجبني إيمانُك تصديقًا". ثم قال: .................. وكونه أصلا لهذين انتُخب أي: وكون المصدر أصلا للفعل والوصف، هو المختار، فالفعل والوصف مشتقّانِ منه, وهو مذهب البصريين, وخالف بعضهم في الوصف فجعله مشتقا من الفعل, فهو فرع الفرع. ومذهب الكوفيين أن الفعل هو الأصل، والمصدر مشتق منه. وزعم ابن طلحة أن الفعل والمصدر أصلان، وليس أحدهما مشتقا من الآخر. والصحيح مذهب البصريين؛ لأن الفرع لا بد فيه من معنى الأصل وزيادة، والفعل يدل على الحدث والزمان"". ثم قال: توكيدا أو نوعا يُبين أو عدد... كُسرتُ سَيْرتين سَيْر ذي رَشَد المصدر: يؤتى به مع ناصبه "لثلاث" فوائد: الأولى: توكيده نحو: "سِرْتُ سيرا" ويسمى المبهم. والثانية: بيان عدده نحو: "سرت سيرتين" ويسمى المعدود. والثالثة: بيان نوعه, ويسمى المختص. واختصاصه إما بإضافة نحو: "سرت سير ذي رَشَد", وإما بنعت نحو: "سيرًا شديدًا", وإما "بأل" نحو: "سرت السير" أي: السير الذي تعرفه، كذا قسم بعضهم. والظاهر أن المعدود مندرج تحت المختص, كما فَعَلَ في التسهيل. فالمصدر "على هذا قسمان": مبهم ومختص. والمختص قسمان: معدود وغير معدود. ثم قال: وقد ينوب عنه ما عليه دل... كجِدَّ كل الجد وافرح الجذَل المصدر ضربان: مؤكد ومبين كما سبق. أما المؤكد, فينوب عنه أحد ثلاثة أشياء: الأول: "مرادفه" نحو: "قعدت جلوسًا". وظاهر كلام المصنف أن نصبه بالفعل المذكور وهو مذهب المازني، ونقل عن الجمهور أن ناصبه فعل من لفظه مقدر. الثاني: "ملاق" في الاشتقاق نحو: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}. ذكره الشارح, فعلى هذا ناصبه "الفعل" المذكور وهو مذهب المازني أيضا، ومذهب الجمهور أن ناصبه مقدر كما سبق. وزعم ابن خروف أنه مذهب سيبويه، وفصل بعضهم بين المرادف نحو: "قعدت جلوسًا" فنصبه بالظاهر، وبين "الملاقي" نحو: "أنبتكم من الأرض نباتًا" فنصبه بالمقدر وهو قول حسن. والثالث: اسم مصدر غير علم نحو: "اغتسلت غُسلا". وأما المبين, فينوب عنه أحد ثلاثة عشر شيئا: الأول: نوع، نحو: ""رجع" القهقرى". والثاني: وصف، نحو: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا}. ومذهب سيبويه في هذا ونحوه أنه حال. والثالث: "هيئة" نحو: "يموت الكافر ميتةَ سوء". والرابع: آلة، نحو: "ضربته سوطا", وهو مطرد في "آلة" الفعل دون غيرها, فلا يجوز: "ضربته خشبة". والخامس: كل، نحو: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}. والسادس: بعض، نحو: "ضربته بعض الضرب". والسابع: ضمير، نحو: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ}. والثامن: اسم الإشارة، نحو: "ضربته ذلك الضرب". قال في شرح التسهيل: ولا بد من جعل المصدر تابعا "له", وظاهر كلام سيبويه أن ذلك لا يشترط. والتاسع: وقت، كقوله: ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا........................... أي: اغتماض ليلة أرمد, وهو عكس: "فعلته طلوعَ الشمس"، إلا أنه قليل. والعاشر: "ما" الاستفهامية، نحو: "ما تضربُ زيدا". والحادي عشر: "ما" الشرطية، نحو "ما شئتَ فقم". ذكر هذه الأحد عشر في التسهيل. والثاني عشر: المرادف، نحو: "افرحِ الجذل" والخلاف في ناصبه كما تقدم. والثالث عشر: العدد، نحو: "ضربته ثلاثين ضربة". وزاد بعض المتأخرين اسم المصدر العلم, نحو: "بَرّ بَرَّه وفَجَر فجَارِ", وفي شرح التسهيل: أن اسم المصدر "العلم" لا يستعمل مؤكدا ولا مبنيا. ثم قال: وما لتوكيد فَوَحِّدْ أبدا...................... لأنه بمنزلة تكرير الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع. ثم قال: ...................... وثَنِّ واجمعْ غيره وأَفْرِدا هو المختص معدودا كان, أو غير معدود. أما المعدود, فلا خلاف في جواز تثنيته "وجمعه" قياسا. وأما غيره من المختص, ففي تثنيته وجمعه خلاف؛ منهم من قاسه لاختلاف أنواعه، ومنهم من لم يقسه وهو مذهب سيبويه. ثم قال: وحذف عامل المؤكد امتنع........................... قال في شرح الكافية: لأن المصدر "المؤكد" يقصد بتقوية عامله وتقرير معناه، وحذفه منافٍ لذلك وقد نُوزع في هذا. ثم قال: .................... وفي سواهُ لدليل متسع لا خلاف في جواز حذف عامل المصدر المختص, معدودا كان أو غير معدود, إذا دل عليه دليل، نحو: "بلى ضربتين, أو ضربا شديدا" في جواب: "ما ضربت"؟ وقد يجب الحذف, وذلك إذا كان المصدر بدلا من اللفظ بفعله، وقد نبه على ذلك بقوله: والحذف حتم مع آتٍ بَدَلا... من فِعْله كنَدْلا اللَّذْ كانْدُلا أي: وحذف العامل واجب مع المصدر "آت" بدلا من فعله, كقول الشاعر: على حين ألهى الناس جُلُّ أمورهم... فندلًا زريق المال ندل الثعالب فندلًا نائب عن أندل. وإنما وجب حذف عامله؛ لئلا يجمع بين البدل والمبدل منه، يقال: ندل الشيء، إذا اختطفه بسرعة. ثم قال: وما لتفصيل كإما مَنَّا... عامله يحذف حيث عَنَّا إذا قصد بالمصدر تفصيل عاقبة ما قبله, وجب حذف عامله كقوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} أي: فإما تمنون منا, وإما تفادون فداء. ثم قال: كذا مكرَّر وذو حصر ورد... نائب فعل لاسم عين استُند إذا ناب المصدر عن خبر اسم عين بتكرير نحو: "زيد سيرًا سيرًا", أو حصر نحو: "إنما أنت سيرًا" وجب حذف عامله, وجعل التكرير عوضا من إظهاره وأقيم الحصر مقام التكرير. فلو لم يكن مكررا ولا محصورا جاز الإضمار والإظهار، نحو: "زيد سيرًا وزيد يسير سيرًا" احترز باسم العين، من اسم المعنى نحو: "أمرُك سير سير", فإن المصدر يرفع ويجعل خبره. ثم قال: ومنه ما يدعونه مؤكِّدا... لنفسه أو غيره......... أي: ومن الواجب حذف عامله، قسم يسميه النحويون مؤكدا, وهو نوعان: مؤكد لنفسه، وهو الواقع بعد جملة هي نص في معناه، وسمي بذلك لأنه بمنزلة "إعادة" الجملة، فكأنه نفسها. ومؤكد لغيره: وهو الواقع بعد جملة صائرة به نصا، وسمي بذلك لأنه أثر في الجملة فكأنه غيره؛ لأن المؤثِّر غير "المؤثَّر". "فمثل" "المبتدأ" به, وهو المؤكد لنفسه بقوله: نحو له عليَّ ألفٌ عُرْفًا.................... أي: اعترافًا. ومثل "والثان" بقوله: ..................... كابني أنت حقا صِرْفا ثم قال: كذاك ذو التشبيه بعد جمله... كلي بكًا بكاءَ ذات عُضْلَه من الملتزم إضمار ناصبه المصدر المشبه به, بخمسة شروط: الأول: أن يكون بعد جملة. والثاني: أن تكون حاوية معناه. الثالث: أن تكون "حاوية فاعله". الرابع: أن يكون ما اشتملت عليه الجملة غير صالح للعمل. الخامس: أن يكون المصدر مشعرا بالحدوث. مثال ذلك قولهم: "له صوتٌ صوتَ حمار" فهذا قد استوفى الشروط؛ لأن له صوت جملة، وقد اشتملت على معنى المصدر، وهو "صوت" وعلى فاعله, وهو "الهاء" في "له", ولا صلاحية في المصدر الذي اشتملت عليه للعمل؛ لأن "شرط" إعمال "المصدر" غير الواقع بدلا من أن يقدر بالفعل وحرف مصدري. وقوله: "صوت حمار" مشعر بالحدوث، فالناصب فعل واجب الإضمار، ومثله بقوله: "لي بكا بكاء ذت عضله". فلو "كان" بعد مفرد, لم يجُز النصب نحو: "صوته صوت حمار" ولو لم "يشتمل" على معنى المصدر لم يصحّ، ولو لم يشتمل على فاعله ضعف النصب نحو: "في الدار صوتٌ "صوتُ" حمار" و"صراخ "صراخ" "ثكلى", ولم يمتنع لأنك إذا قلت: "فيهما" صوت علم أن فيها مصوتا "صوت حمار". ولو كان ما اشتملت عليه صالحا للعمل نحو: "هو مصوت صوتَ حمار", فإنه ينتصب بمصوت لا بمحذوف، ولو لم يكن المصدر مشعرا بالحدوث لم ينصب نحو: "له ذكاءٌ ذكاءُ الحكماء". لأن صوتا ونحوه، إنما انتُصب لكون ما قبله بمنزلة يفعل, مسندا إلى فاعل. فقولك: "له صوت" بمنزلة "يصوت"، وليس قولك: "له ذكاء" بمنزلة "هو يفعل", وإنما "أخبرت" بأنه ذو ذكاء, "فتنزل" ذلك منزلة قولك: "له يدٌ يدُ أسد" والله أعلم. يُنصب مفعولا له المصدر إن... أبان تعليلا "كجُدْ شُكرًا وَدِن "المفعول" له: هو علة الفعل، ولجواز نصبه شروط: الأول: أن يكون مصدرا. والثاني: أن يتحد وقته ووقت عامله، وهو المعلل به. والثالث: أن يتحد فاعلهما, ولو تقديرا. فمثال ما استوفى الشروط: "ضربته تأديبًا" و"جُدْ شكرًا". ومثال اتحاد فاعلهما تقديرا: قوله تعالى: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} ؛ لأن معنى يريكم: يجعلكم ترون. وفي بعض هذه الشروط خلاف. ثم قال: وإن شرطٌ فُقد... فاجررْه باللام أي: إذا فقد شرط من الشروط الثلاثة, وجب جر ما علل به الحرف الدال على التعليل، وهو اللام أو ما يقوم مقامها وهو "من و"في" والباء", فتقول: "جئت للمال"؛ لأنه ليس بمصدر، و"جئت أمس لإكرامك غدًا" لاختلاف الزمان, و"أحسنت إليك لإحسانك إليَّ"؛ لاختلاف الفاعل. وقوله: وليس يَمتنع... مع الشروط يعني: أنه لا يمتنع جره بالحرف مع استيفائه للشروط نحو: "قنع هذا للزهد", "فإن هذه الشروط" ليس اجتماعها موجبا للنصب, بل مسوغ له. ثم هو بعد ذلك على ثلاث مراتب: راجح النصب، وراجح الجر، ومستوٍ فيه الأمران. فأشار إلى الأول بقوله: وقلّ أن يصحبها المجرد يعني: أن المجرد من أل والإضافة يترجح نصبه، وقل أن يصحب الحرف, فقوله: "ضربته تأديبًا" أرجح من قولك: ""ضربته" "لتأديب"" ومنع الجزولي جر المجرد. قيل: ولم يقل به غيره. وأشار إلى الثاني بقوله: والعكس في مصحوب أل يعني: أن الأرجح في مصحوب "أل" جره بالحرف, فقولك: "ضربته للتأديب" أرجح من قولك: ""ضربته" التأديب". ثم ذكر شاهد نصب مصحوب "أل" من كلام العرب, فقال: لا أقعدُ الجبنَ عن الهَيْجَاء... ولو توالت زُمَر الأعداء وسكت عن المضاف فلم يعزُه إلى راجح النصب, ولا إلى راجح الجر. فعلم أنه يستوي فيه الأمران نحو: "جئتُكَ ابتغاءَ الخيرِ، ولابتغاءِ الخيرِ". تنبيه: إذا دخلت "أل" على المفعول له، أو أُضيف إلى معرفة تَعَرَّفَ "بأل" "أ", وبالإضافة خلافا للرياشي والجرمي والمبرد في قولهم: إنه لا يكون إلا نكرة وإن "أل" فيه زائدة، وإضافته غير محضة. فإن قلت: هل يجوز تقديم المفعول له على عامله؟ قلت: هو جائز سواء كان منصوبا, أو مجرورا. وهو مستفاد من قوله: كلزهد ذا قنع, فمثل به "مقدما"، والله أعلم. وهو المسمى ظرفًا، قال: الظرف: وقت أو مكان ضُمِّنا... في باطِّراد: كهُنا امكثْ أزمُنا "وقت أو مكان" جنس "ضمن" مخرج لوقت أو مكان لم يضمن معناه نحو: "يومنا يوم مبارك", و"نحن في مكان حسن". "ثم قال": "باطراد"؛ احترازا مما نصب بدخل من المكان المختص نحو: "دخلت الدار" فهو منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا، لا نصب الظرف، إذ لو كان ظرفا لم يختص بدخل؛ لأن "الظرف" لا يختص بعامل دون عامل. بل الظرف غير المشتق من اسم الحدث, يتعدى إليه كل فعل. قال الشارح: وإذا كان كذلك, فلا حاجة إلى الاحتراز "عنه" بقيد الاطراد؛ لأنه يخرج بقولنا: "مضمن معنى في" ا. هـ. قلت: وفي نصب المختص من المكان بعد دَخَلَ ثلاثة مذاهب: أحدها: أنه منصوب نصب المفعول به بعد إسقاط الخافض توسعا كما سبق، وهو مذهب الفارسي والمصنف، ونسبه إلى سيبويه. والثاني: أنه منصوب على الظرفية تشبيها له بالمبهم, ونسبه الشلوبين إلى "سيبويه ونسب" إلى الجمهور. والثالث: أنه مفعول به ودخل, تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر، وهو مذهب الأخفش"". وقوله: "كهنا" مثال لظرف المكان, "وأزمنا" مثال لظرف الزمان. ثم قال: فانصبه بالواقع فيه مُظْهَرا... كان وإلا فانْوِهِ مقدَّرا يعني: أن حكم الظرف النصب، وأن الناصب له هو الواقع فيه من فعل أو ما "في" معناه, وأن الناصب له يكون ظاهرا نحو: "جلست أمام المسجد" و"سرت يومَ الخميس", وقد يكون مقدرا إما جوازا نحو: "يوم الجمعة" لمن قال: "متى قدمتَ؟". وإما وجوبا كالواقع خبرا أو صفة أو حالا أو صلة. ثم قال: وكلّ وقت قابل ذاك........................... يعني: أن جميع أسماء الزمان قابلة للظرفية؛ مبهمها ومختصها. وأما المعدود فهو من المختص, خلافا لمن جعله قسما ثالثا. فالمبهم: ما دل على قدر من الزمان غير معين كحين، والمختص بالمحدود: ما له مقدار من الزمان معلوم نحو: "يومين". والمختص غير المعدود: كأعلام الأيام, وما اختص "بأل" أو بالصفة أو بالإضافة، ثم قال: ......... وما... يقبله المكان إلا مبهما يعني: أن أسماء المكان لا تقبل الظرفية إلا إذا كانت مبهمة، فإن كانت مختصة لم تقبل الظرفية نحو: "الدار" و"المسجد". ثم قال: نحوُ الجهات والمقادير، وما... صِيغَ من الفعل كمرمَى مِن رَمَى فمثّل المبهم بثلاثة أنواع: الجهات: نحو: خلف "وقُدَّام" وأمام. والمقادير: نحو: "ميل" و"فرسخ". وما صيغ من اسم الحدث نحو: "مرمى ومذهب". فظاهره أن هذه الثلاثة أنواع للمبهم, أما الجهات فلا إشكال في أنها مبهمة. وأما المقادير فظاهر كلام الفارسي أنها داخلة تحت المبهم، وصححه بعض النحويين. وقال الشلوبين: ليست داخلة تحته، وصحح بعضهم "أنها شبيهة" بالمبهم, لا مبهم. وأما ما صيغ من "اسم" الحدث، فالظاهر أنه من المختص, لا من المبهم كما نص عليه غيره، وهو ظاهر كلامه في شرح الكافية. قال فيه: وأما المكان فلا يكون من أسمائه "ظرفا" صناعيا إلا ما كان مبهما أو مشتقا من اسم الحدث ا. هـ. فجعله قسيمه. قلت: وقد قسم المصنف المصدر إلى مبهم ومختص، وصرح بأن المعدود من المختص, وقياسه أن يجعل المعدود في الظرف من المختص أيضا. فإن قلت: ما يعنى بالفعل في قوله: "وما صيغ من الفعل"؟ قلت: ظاهر كلامه أنه الفعل الصناعي؛ لقوله: "كمرمى من رمى" وليس ذلك بجيد؛ لأنه لم يصغ من الفعل وإنما صيغ من المصدر, "وإن" حمل على الفعل اللغوي وهو المصدر "فهو صحيح", "لولا" "أن" قوله: "من رمى" يبعده. ثم قال: وشرط كون ذا مَقِيسا أن يقع... ظرفا لما في أصله معه اجتمع الإشارة إلى ما اشتق من اسم الحدث, يعني: أن هذا النوع لا يكون ظرفا مقيسا إلا إذا كان العامل فيه موافقا له في الاشتقاق نحو: "رميت مرمى زيد"، "وقعدت مقعده", "فلذا" عد من الشواذ قولهم: "هو مني مقعد القابلة" ونحوه. وتقدير قوله: "لما في أصله معه اجتمع" مع الظرف في أصله, وهو اسم الحدث. فإن قلت: يخرج من كلامه نحو: "سرني "جلوسي" مجلسك"؛ لأن العامل فيه أصله لا شيء اجتمع معه في أصله. قلت: هذا, وإن لم تشمله عبارته فقد "تقرر" أن المصدر يعمل عمل فعله. ثم قال: وما يرى ظرفا وغير ظرف... فذاك ذو تصرف في العرف كلٌّ من ظرف الزمان وظرف المكان "قسمان": متصرف وغير متصرف: فالمتصرف: ما لا يلزم, بل يستعمل ظرفا تارة وغير ظرف أخرى نحو: "يوم وليلة" من الزمان، و"يمين وشمال" من المكان. وغير المتصرف: ما لا يخرج عن الظرفية أصلا "كقَطّ" و"عَوْض", أو لا يخرج عنها إلا "إلى" "شبهها". والمراد بشبه الظرفية الجر "بمن". وإنما يثبت تصرف الظرف بالإخبار عنه والجر بغير "من" "في الاختيار"؛ لأن "من" كثرت زيادتها فلم يعتد بها. فلذلك حكم على "قبلُ وبعدُ وعندَ ولدُن" بعدم التصرف مع "أنها تجر" بمن. وإلى هذا أشار بقوله: وغير ذي التصرف.... البيت ثم قال: وقد ينوب عن مكان مصدر... وذاك في ظرف الزمان يكثر نيابة المصدر عن الظرف من باب حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، وشرط "ذلك" إفهام تعيين "وقت" أو مقدار، وذلك قليل في المكان كقولهم: "جلست قرب زيد، وقصده" أي: مكان قربه, ومكان قصده. وكثير في الزمان نحو: "كان" ذلك "خفوق" النجم، و"طلوع الثريا" أي: وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الثريا. وكثرته تقتضي القياس عليه. قال: يُنصَب تالي الواو مفعولا معه... في نحو سيري والطريق مسرعه المفعول معه: هو الاسم المنصوب بعد "واو بمعنى" مع، نحو: "سيري والطريقَ" أي: مع الطريق. وهذا الباب مقيس على الأصح، وقد فهم ذلك من قوله: "نحو". ثم قال: بما من الفعل وشَبَهه سبق... ذا النصب لا بالواو في القول الأحقّ ناصب المفعول معه: إما فعل نحو: "استوى الماءُ والخشبةَ", وإما اسم يشبهه نحو: "زيد سائرٌ والطريقَ". ومذهب سيبويه أنه لا يعمل فيه العامل المعنوي كاسم الإشارة وحرف التشبيه والظرف المخبر به. وأجاز أبو علي في قول الشاعر: ................................ هذا ردائي مطويا وسربالا أن يكون العامل فيه هذا. وذهب الجرجاني إلى أن ناصبه الواو نفسها؛ لاختصاصها بالاسم، ورُد بأنها لو كانت ناصبة، لاتصل الضمير بها. ولم يشترط "تقديم" فعل أو شبهه، وإليه أشار بقوله: "بالواو", وفهم من قوله: "سَبَق" أن المفعول معه لا يتقدم على عامله, "وهذا" متفق عليه. وأما تقديمه على مصاحبه نحو: "استوى والخشبةَ الماءُ" فمذهب الجمهور، والصحيح منعه، وأجازه ابن جني. ثم قال: وبعد "ما" استفهام أو "كيف" نصب... بفعل كون مضمر بعض العرب من كلامهم: "كيف أنت, وقصعة من ثريد" و"ما أنت وزيدٌ" برفع ما بعد الواو على أنها العاطفة، وبعضهم ينصب على أنها التي للمعية وما قبلها مرفوع بفعل مضمر هو الناصب لما بعدها، تقديره: كيف يكون؟ وما يكون؟ والصحيح أن "كان" المقدرة ناقصة، وكيف خبر مقدم، وكذلك "ما". واعلم أن الصالح؛ لكونه مفعولا معه على ثلاثة أقسام: قسم: يجوز فيه العطف والنصب على المعية، والعطف أرجح. وقسم: يجوز فيه الأمران, والنصب على المعية أرجح. وقسم: يمنع فيه العطف. فالأول: "هو" ما أمكن فيه العطف بلا ضعف من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى نحو: "قمت أنا وزيد" وإن شئت نصبت. والثاني: ما لا يمكن فيه العطف إلا بضعف من جهة اللفظ نحو: "قمت وزيد"؛ لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل بغير توكيد أو فصل ضعيف، أو من جهة المعنى كقولهم: "لو تركتَ الناقةَ وفصيلَها لرضعَها", فإن العطف فيه ممكن على تقدير: لو تركت الناقة ترأَمُ فصيلها وترك فصيلها لرضاعها لرضعه. هذا تكلف وتكثير عبارة، فهو "ضعيف", والوجه النصب على معنى: لو تركت الناقة مع فصيلها. والثالث: "هو" ما لا يمكن فيه العطف لمانع لفظي نحو: "ما لك وزيدًا؟" فإن العطف على الضمير المجرور بغير إعادة الجار ممتنع عند الجمهور, أو معنوي نحو: "سرت والجبل" مما لا يصلح للمشاركة. فهذا ونحوه يجب فيه النصب على المعية، ويمتنع "فيه" العطف. وقد أشار إلى الأول بقوله: والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق................................. وإلى الثاني بقوله: ................. والنصب مختار لدى ضعف النَّسَق وإلى الثالث بقوله: والنصب إن لم يجُز العطف يجب.................................. وأما قوله: ...................... أو اعتقد إضمار عامل تُصِب فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون "تخييرا" فيما امتنع عطفه بين نصبه على المعية وبين إضمار عامل، حيث يصح إضماره, كقوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}. فإنه لا يصح جعله معطوفا؛ لأن أجمع بمعنى عزم, "فلا" ينصب "إلا" الأمر والكيد ونحوهما. ولك أن تجعل "شركاءكم" مفعولا معه، و"لك" أن تجعله مفعولا به بفعل مقدر. تقديره: وأجمعوا من جمع؛ لأن جمع بمعنى ضم المتفرق، فينصب الشركاء ونحوه. وقد حكي أن أجمع بمعنى جمع, فعلى هذا يصح العطف. والثاني: أن يكون تنويعا. والمعنى: أن ما امتنع فيه العطف نوعان: نوع يجب فيه النصب على المعية، ونوع يضمر له عامل؛ لأن المعية فيه أيضا ممتنعة كقوله: علفتُهَا تبنا وماء باردا...................... فماء منصوب بفعل مضمر تقديره: "سقيتها ماء", ولا يجوز عطفه لعدم المشاركة ولا نصبه على المعية لعدم المصاحبة. ويجوز أن يجعل "قوله": "أو اعتقد إضمار عامل" شاملا للناصب كما مثلنا به. وللجار كقولك: "ما لك وزيد؟" فيجوز جره لا بالعطف بل بإضمار الجار، كما نص عليه في شرح الكافية, وكلامه فيه يؤيد هذا الاحتمال "والله أعلم".
|